الأربعاء، 18 يناير 2017

صنف :

هوس العمق

شارك

عندما أقامت سيدة شابة من شتوتجارت – ترسم رسوماً جميلة – معرضها الأول علق أحد النقاد على ذلك – وكان حسن النية ويريد فعلا أن يشجعها – فقال: “أعمالك مثيرة للاهتمام وهي تدل على موهبة حقيقية ولكن ينقصك العمق”.
لم تفهم السيدة ما يقصده الناقد بذلك, وسرعان ما نسيت ملاحظته بعد يومين, نشرت إحدى الصحف مراجعة نقدية بقلم الناقد نفسه يقول فيها: “هذه الفنانة الشابة تتمتع بموهبة أكيدة وأعمالها تبدو جميلة من النظرة الأولى لكنها للأسف تفتقر إلى بعض العمق “.
حينذاك فقط بدأت السيدة الشابة تفكر في الأمر وراحت تفتش في لوحاتها وأوراقها القديمة بإمعان دققت رسومها جميعاً بما فيها تلك التي لم تكن قد انتهت منها بعد ثم اغلقت محابرها وغسلت أقلامها وخرجت لتتمشى.
في ذلك المساء كانت قد تلقت دعوة ويبدو أن الناس في الحفل الذي ذهبت إليه كانوا يحفظون ما كتب عنها عن ظهر قلب, فكانوا يثرثرون عما تحدثه لوحاتها من متعه عند النظر إليها لأول مرة, وكذلك عن موهبتها الأكيدة, إلا أنها … من الهمهمة التي تدور في أركان القاعة, من حيث الواقفين وظهورهم لها , كانت تصل إليها عبارات تسمعها جيداً .. “لا عمق” “تلك هي المشكلة” ” ليست سيئة لكنها – للاسف ينقصها العمق”.
على مدى الاسبوع التالي كله لم ترسم شيئاً كانت تجلس صامتة في شقتها وتطيل التفكير بينما سؤال واحد يطوق كل الافكار الأخرى ويلتهمها: “لماذا ليس لدي عمق؟”
وفي الاسبوع التالي حاولت أن ترسم لكنها لم تصنع سوى خربشات خرقاء, وأحياناً كانت تعجز عن وضع علامة واحدة على الورق وفي النهاية أصبحت يدها ترتعش بشدة لدرجة تعجزها عن وضع القلم في المحبرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

2021 © مؤسسة الخطى للثقافة والإعلام